قال الشيخ الاكبر قدس سره في فص في كلمة شيثية
يصف الختم المجذوب في كتاب "الفصوص"
(وهذا العلم كان علم شيث عليه السلام وروحه هو الممدّ لكل من يتكلّم فيه مثل هذا من الأرواح ما عدا الخاتم فإنّه لا يأتيه المادة إلاّ من الله لا من روح من الأرواح، بل من روحه تكون المادة لجميع الأرواح وإن كان لا يعقل ذلك من نفسه في زمان تركيب جسده العنصري. فهو من حيث حقيقته ورتبته عالم بذلك كله بعينه، من حيث ما هو جاهل به من جهة تركيبه العنصري. فهو العالم الجاهل، فيقبل الاتّصاف بالاضداد كما قبِلَ الأصلُ بذلك، كالجليل والجميل، وكالظاهر والباطن والأول والآخر وهو عينه ليس غير. فيعلم ولا يعلم، ويدري ولا يدري، ويشهد ولا يشهد.) اه
1- فهو يقولُ أنّ مادة علم الخاتم في جذبه وتركيبه العنصري قبل انسلاخه من مظاهر البشريّة والتركيب العنصري، مادة علمه من الله مباشرة ولا يتلقّى ذلك بواسطة، بل من روحه يتلقّى الجميع مادة العلم.
2- ويقولُ أنّ الختم المجذوب هو العالم الجاهل، يعلم ولا يعلم ويشهد ولا يشهد. بمعنى أنّه يشمّ المسك وهو في فأرته فيما يشهدُه الكمّل المحقّقون لأنّ المرتبة مرتبته بالأصالة."فهو من حيث حقيقته ورتبته عالم بذلك كله بعينه' . وهذا الكلام يشبُه ويماثل ما قاله الشيخ الجيلي وسوف أنقله. وأنّه يعلمُ جميع الحقائق والعلوم إذا اطّلع عليها بواسطة. فيفهمها على حقيقتها وهذا معنى قوله : يشهد ولا يشهد. لأنّ جميع العلم مودعٌ فيه بالأصالة.
3- وقال أنّ الختم المجذوب يجمعُ بين الأضداد، عالم جاهل، جليل جميل، ظاهر باطن، أوّل آخر، ... وقال كما اتّصف الأصلُ بذلك، وقال هو عينه لا غير.
الآن : من هو الأصل الذي يجمعُ بين الأضداد الذي هو عينه الختم المجذوب ؟
أنّ هذا الختمَ العليّ الخليفة مقامُهُ في الظهور هو الإطلاق وأخلاق الله تعالى بالأصالة، إذ هو عينُهُ ليس غير. ولكنّ الختمَ المجذوبَ القطب المكتوم قبل الظهور والمبايعة بين الرّكن والمقام، أحوالُهُ هي الحقائق الفرقية والقوالب الخلقية فيتلوّنُ بها كما تلوّنَ الذات الساذج بها، فيظهرُ بأحوالِ جميع الخلقِ متلوّناً بها بحسبِ مقامِه ومنازلِهم وحقائقهم، فيظهرُ بالأضداد، ويظهرُ بالأنا والنّفس الجزئيّة ظاهراً، لأنّه يُمثّلُ العماء والكنزية، والذات الساذج وماهية الحقائق، فهو حقيقتُها وذاتُها، فيظهرُ بها في جذبِه وكتمه قبل ظهورِه، ولذلك تظهرُ الحضرات الثلاثة التي ذكرناها : حضرة شمس المغرب وهي حضرة الإسلام الظاهر فيجمعُ المؤمن الصّادق والمستدرج المغبون ، ثمّ حضرة الدجّال وبها يتميّزُ الصّادقُ من المستدرج المغبون، ثمّ حضرة التقديس بنزول روح الله المسيح عليه السلام على الأرض. ومن هنا تفهمُ حضرة إبليس والدجال ولماذا ظهرتْ، ولماذا كان إبليس يُمثّلُ حضرة التلبيس والنّفس الجزئية القاطعة عن الله تعالى. ولماذا كان إبليس عارفاً خبيراً أستاذاً معلّماً في التلبيس النّفسي والإغواء والمكر والخديعة. وذلك إنّما صحَّ لهُ بحضرة الخليفة، فافهم.
صحَّ لَهُ من حضرة هذا الخليفة المجذوب الذي ظهرَ بالحقائق النفسيّة والفرقية لكلّ القوالب الخلقية. فكان الشيطانُ لا يُفارقُ سالكاً وصالحاً حتّى تموتُ نفسُهُ كاملةً، ويحيا بالله تعالى ويصيرُ إلى مقام البقاء بالله تعالى. وهذا قد ذكرهُ إبليس في قوله تعالى {وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}. فاستثنى العباد المخلَصين وهم الذين أخلصهم الله إليهم أهل البقاء به الذين ليس للشيطان عليهم سلطان ابداً. فهم يسعون بالله ويبصرون بالله ويسمعون بالله تعالى فحركاتهم وأنفاسهم بالله تعالى. لأنّهُ لا وجودَ لهُ إلاّ في مقامِ النّفسِ الجزئية، ولا وجودَ لهُ في مقام الجمع والبقاء بالله تعالى. وهذا الذي ذكرناهُ أنّ الإنسان ما دامَ باقياً مع نفسه وملتفتاً لرغباتها وشهواتها ونزغاتِها فهو يعيشُ في ولاية الطاغوت، وهذا الطاغوت هو الشيطان وجنوده. ومهما زعمَ المرءُ أنّهُ بارعٌ إذا لم يكنْ التفاتُهُ لله تعالى وإلى الوجود الحقيقيّ التفاتاً قلبياً فهو في حزبِ الشيطانِ، لأنّهُ في دائرة النّفس والوجود الظلمانيّ. فما ثمّة إلاّ وجودين، وجودٌ حقيقيّ ووجودٌ وهميّ، الوجودُ الحقيقيّ هو مصدرُ الخير والنّعم والرّضا والجمال والإطلاق، الوجودُ الوهميّ هو مصدرُ الحرمان والعناء والشقاء والعذاب.
* * * *
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق