الوعاء المختوم على السر المكتوم
قال الشيخ محيي الدين بن عربي في كتابه (عنقاء مغرب في ختم الأولياء وشمس مغرب) متحدثا عن الإمام المهدي عليه السلام:
(الوعاء المختوم على السّر المكتوم)
حمدت إلهي والمقام عظيم
فأبدى سروراً والفؤاد كظيم[1]
وما عجبي من فرحتي كيف قورنت
بتبريح قلب حلّ فيه عظيم[2]
ولكنّــــــي من كشف بحــر وجوده
عجبت لقلبي والحقائق هيم[3
كذاك الذي أبدى مـن النور ظاهرا
على سُدف الأجسام ليس يُقيم[4]
وما عجبي من نور جسمي وإنما
عجبت لنور القلب كيف يريم[5]
فإن كان عن كشف ومشهد رؤية
فنـــور تجلّيــه عليه مُقيـــــم[6]
تفطّنت فاستُر علّة الأمر يا فتى
فهل رُئي خلقُ بالعليم عليم[7]
تعالى وجود الذّات عن نيل علمنا
به عند فصل والفصال قديم[8]
ففرقان ربي قد أتاني مُخبرا
بتعيين ختم الأوليــــاء كريم[9]
فقُلت: وسرّ البيت صف لي مقامه
فقال: حكيما يصطفيه حكيم[10]
فقلت: يراه الختم فأنشد قائلا:
إذا ما رآه الختم ليس يروم[11]
فقلت: وهل يبقى له الوقت عندما
نراه نعم، والأمــر فيه جسيم[12]
وللختم سر لم يزل، كل عارف إليه
إذا يســــري عليه يحـــــوم[13]
أشار إليه الترمذي بختمه
ولم يُبده والقلب منه سليم[14
وما ناله الصّدّيق في وقت كونه
وشمس سماء الغرب منه عديم[15]
مذاقا ولكنّ الفؤاد مشاهد
إلى كل ما يُبديه وهو كتوم[16]
يغار على الأسرار أن تلحق الثّرى
وأن تمتطيها الزهر وهي نجوم[17]
فإن أُبدروا أو أُشمسوا فوق عرشه
وكــان لهم عند المقــام لزوم[18]
فلريثما يبدو عليهم شهودها
فمنهم نجوم للهدى ورُجوم[19]
فسبحان من أخفى عن العين ذاته
ونـــــور تجلّيها عليه عميم[20]
لكنّه المرموز لا يُدرك السّنا
وكيف يرى طيب الحياة سقيم[21]
فأشخاصنا خمس وخمس وخمسة
عليهم نرى أمر الوجود يقوم[22]
ومن قال أن الأربعين نهاية
لهم فهو قول يرتضيه كليم[23]
وإن شئت فأخبر عن ثمان ولا تزد
طــــريقهم فرد إليه قويم[24]
فسبعتهم في الأرض لا يجهلونها
وثامنهم عند النجوم لزيم[25]
فعند فنا خاء الزّمان وداله
على فاء مدلول الكُرور يقوم
مع السبعة الأعلام والنّاس غُفّل
عليهم بتدبير الأمـــــور عليم
وفي الروضة الخضراء رسم عداتها[26]
وصاحبها بـــالمؤمنين رحيم
ويختصّ بالتّدبير من دون غيره
إذا فـــاح زهـــر أو يهبّ نسيم
تراه إذا ناواه[27] بالأمر جاهل
كثير الدعاوى أو يكيدُ زنيم[28]
فظاهره الإعراض عنه وقلبه
غيور على الأمر العزيز زعيم
إذا مابقي من يومه غيرُ ساعة
إلى ساعة أخرى وحلّ صريم[29]
فيهتزّ غُصن العدل بعد سُكونه
ويحيا نباتُ الأرض وهو هشيم[30]
ويظهر عدل الله شرقا ومغربا
وشخصُ إمام المؤمنين رميم[31]
وثمّ صلاةُ الحق تترى[32]على الذي
به لم أزل في الحالتين أهيم[33]
توضيح معانى بعض الكلمات :
[1]كظيم: مملوء غماً. أي توجهت بالحمد لله وشعرت بالسعادة رغم ما بي من غم وحزن.
[2]تبريح: كَشَفَ عَنْهُ الأذَى والعَذابَ الشَّديدَ وَنَفَّسَ عَنْهُ، وزاده فرحاً كشف الله ما به من غم بعد أن حل به حب الله ونوره.
[3]هيم: أي شديد الشغف بمن يحبّ. وعندما كشف الله له بحر كرمه تعجَّب وأصبحت الحقائق في شغف وحب في قلبه.
[4] السُّدَف: جمع سُدفة وهي اختلاط الضوء والظلمة معًا، كوقتِ ما بين طلوع الفجر إلى الإسفار،ٌ فشبه حاله وذلك بمن سلّط الضوء على الأجسام المظلمة وتأثير ذلك النور عليها.
[5]ولم يعجب من نور جسده بل عجب كيف يدوم نور قلبه.
[6]وذلك من تجلّى النور الرباني على القلب وكشف الحجب عنه.
[7]تفطَّن: تَفَهَّمَهُ، تَنَبَّهَ إِلَيْهِ وَفَهِمَهُ. والعِلَّة: سببٌ، حُجَّةٌ، مُبرِّرٌ، يتوقَّف عليه وجود شيء.
والمعنى أي تأكدت وعرفت ذلك النور الرباني فاستر المقصود من ذلك، فهل يقدر مخلوق أن يحوز علم الله العليم وإنما يعرف عن ربه قدر ما يُعلمه الله من علم ومعرفة
[8]فسمت وتجلّت ذات الله عن أن ينالها علمنا.
[9]ويشير البيت أن الله قد اختار ختم الأولياء المهدي منذ قديم الزمان ومن صفات ذاك الولي أنه كريم.
[10]وعندما طلب مزيد من المعرفة عن مقام الختم الولي أتاه الإلهام العلم أن الولي حكيم واصطفاه الله الحكيم.
[11]ونور الختم من نور الله حيث خلق الله نورا محمداً من نوره سبحانه، وتساءل هل يرى الولي نور ربه فتأتيه الإجابة أنه عندما يرى نور ربه يذوب.
[12]ولو لم يبقى في الزمان غير يوم قبل قيام الساعة لبعث الله ذاك الولي الختم وهو أمر عظيم.
[13]وسر الختم أنه روح الإله وسره وقد حار العلماء بحثا عن ذلك السر ودار حوله العارفون إذا بلغه ذلك النور.
[14]وذكره الحكيم الترمذي في كتابه (ختم الأولياء) ولم يكشف ذلك السر رغم اطمئنان قلبه لذلك لأنه لم يأت أوان ذلك الولي بعد ووجب كتم السر وقتها.
[15]ولم يعرف ذلك السر حتى أبي بكر الصديق رضي الله عنه لأن الختم الولي وهو نور الإله وشمس المغرب التي تؤذن بقيام الساعة عند خروجها من الغرب حيث في وقت الصديق لم يكن النجم الطارق نجم الإمام المهدي عليه السلام قد ظهر في السماء.
[16]ويصف ذلك النور الرباني الذي هام ابن عربي في حبه عندما شاهده قلبه وتذوق طعم الحب الإلهي وكاد الفؤاد أن يبدي ذلك السر رغم حرصه على كتمانه.
[17]وذلك لأن القلب لا يريد أن يفارقه سر الختم الولي الذي حل نوره في قلب ابن عربي وسعد بقربه ولا يريد أن يفارقه إلى نجوم الثريّا أو تصل إلى كوكب الزهرة والنجوم!
[18]ويصف النجوم في السماء من شموس وأقمار عند اقترابها من نور الختم النور الرباني وتأثير النور عليها فيصير نور هدى أو نار رجم.
[19]وعند ذلك يبدو على تلك الأجرام السماوية آثار القرب من نور الإله فتصير تلك الأجرام إما نور يهدي الله الناس بأنوارها كالقمر والشمس أو يرجم بها الشياطين عند استراق السمع مثل الشهب.
[20]وسبحان الله الذي أخفى عن عيون الناس ذاته ورغم أن نور الله بكل مكان فأنت ترى صور خلق الله ولا ترى الله ومن ينكر ذلك كالأعمى الذي ينكر وجود الشمس أو المريض الذي ينكر لذة الحياة لأنه لم يتذوقها فإنكاره لها لا يعني عدم وجودها وإنكار الكافر لله لا يعني أنه لا يوجد إله في الكون!!!
[21]ويشبه من لا يرى نوره الإله بمن يعيش في خفاء ولا يرى العُلوّ ومثله مثل المريض لا يرى للحياة طعما ولا لونا ولا جمالا.
[22]فالأسرار هي الروح وهي دائرة مثل الرقم خمسة والنفس دائرة وهما يلتقيان في دائرة الجسد وعليهم يقوم الوجود حيث أن الملائكة والجن أرواح وبهم تلك الدائرة والإنسان الخليفة على الأرض ظل الإله به روح ونفسه داخل جسده.
خمس وخمس (روحٌ ونفس) تجمع في الجسد لتكون دائرة اتحاد الروح في النفس جامعهم جسد.. "في وجود الحق بالعدد الخمس" في اكتمالهم يظهر الحق فلا لبس، فمن كان من العلم عَلِم ومن عاش في الجهل جَهل، ومن سار غير المسار فقد ضل.
[23]وذلك رد لمن يقول أن سن الإمام المهدي عليه السلام عن خروجه سنه أربعين سنة مثلما أتت الأنبياء النبوة في ذلك السن، وفي تفصيل الأربعين في السنين، فذاك قولهم حين يحين، ليس اكتمال الأمر دائما في هذا السن وقد أوتي النبي يحيى عليه عليه السلام النبوة في صباه، وكيف ذاك، إن كان فردٌ واحدٌ فهو في اتصاله بالله كُل العدد، وإمام الزمان به اكتمال وكماله فيه بالله ولله الكمال.
[24]وفي قول الثمان فلا تزد، ذاك خبرٌ فصلٌ لا يُرَد بالعِلم كانوا سبعةٌ فيهم باتحادهم كَمُل العدد من =طارق النور نور السماء يسرون نوراً بالمدد هو السبعة والثمان وكله هو، والأمر في الرأس والأطراف فانظر واستفق، ٨ في تشكيلة رمز المدد روحٌ ونفسٌ والجسد وأساسها الرأس يكون الأطراف بها الصدد باتحادهم كمالٌ من مدد والروح تلزمنا بنا في النجوم ترى الجسد نورٌ وأنوارٌ مُستمد، والرقم سبعة ينظر لأعلى فالروح في الأرض تتطلع لخالقها وقواعدها الجسد والنفس.
[25]وهم السبعة الأعلام أصحاب الإمام المهدي عليه السلام في الأرض ودورهم تمهيد له قبل ظهوره وهو ثامنهم وهو يمثل النجم الطارق.
والمهدي الختم نور الله، ونوره متصل بالسماء والأرض وهو مثلث على شكل رقم ثمانية هو روح الله في الرأس وتحت الجسد والنفس، وإن كان الرقم سبعة ورأسه إلى أسفل فنور الله وروحه التي وضعها في الأنسان بالأرض قادمة من السماء وطرفها الجسد والنفس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق